البطاقة التمويلية… هل خدع راؤول ورمزي اللبنانيين؟
مسلسل المماحكات المرافقة لبرامج مساعدة اللبنانيين على الخروج من الضائقة المعيشية لا تتوقف مع السلطة السياسية اللبنانية، التي لا تفقه معنى المسؤولية. ومشروع إقرار البطاقة التمويلية، هو واحد من الملفات التي يشوبها الارتباك والتعقيدات لا بل الخداع.
الإعلان عن إطلاق العمل بالبطاقة عبر منصّة إلكترونية، يتبدّى من التدقيق فيه أنه مزوّر، فقد نجح وزيرا الاقتصاد راؤول نعمة ووزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية في خداع اللبنانيين، حتى آخر يوم قبل رحيل حكومة الرئيس السابق حسّان دياب.
وحتى لحظة تسلّم الحكومة الجديدة مهامها، فإن مشروع البطاقة التمويلية في نظر معظم اللبنانيين مشروع مشبوه سيتحول كما باقي الخدمات إلى أداة تستخدمها أحزاب السلطة لاستنهاض قواعدها الشعبية وإستقطاب العائلات المحتاجة وممارسة الزبائنية السياسية.
والاشتباه بمشروع البطاقة برمتّه سياسياً وتقنيًا وقانونيًا لا تظلّم فيه على ما يبدو.. فمن خلال التدقيق والمراجعات تبيّن أولاً، أن القرار الذي كان يجب أن يصدر عن اللجنة المنصوص عنها في مشروع قانون البطاقة لم يصدر وفق الأصول، بل ما استعرضه الوزراء المعنيون خلال إطلاق منصة التسجيل لمن يود الاستفادة من البطاقة هو أشبه بكتيّب حول آلية الاستخدام لا قيمة قانونية له، ورئيس الحكومة لم يوقع على مرسوم القانون الخاص بها ولم يصدر في الجريدة الرسمية ما يؤكد نفاذ مرسوم آلية تطبيقها.
البطاقة التمويلية، التي تحوّلت إلى مُخدّر يستخدمه السياسيون كلّما زاد أنين المواطنين، وُضعت لها معايير الحصول عليها، التسجيل الإلكتروني انطلق ودونه عقبات جمّة تقنية أولها وجوده الدائم خارج الخدمة علمًا أنه تمّ تحديد مهلة شهر لتسجيل الأسماء للحصول على البطاقة التمويلية ابتداءً من 15 أيلول الجاري. وتقييم الطلبات دونه مشقة كذلك من خلال الشروط المفروضة يما ُثير استياءً شعبيًا لجهة “الإذلال”. وأيضًا، لم يحسم مشروع البطاقة ماهية عملة الدفع بالبطاقة بأي عملة الدولار أو الليرة، ولا آلية الدفع المصارف أو شركات تحويل الأموال أو وكالات الدفع المحلية، لكنها خفّضت المبلغ المستحق لكل فرد، إلى 15 دولاراً، بدلاً من 18 دولاراً. وزادت 11 دولاراً لمن هم فوق 75 سنة.
الحكومة التي تتسلّم مهامها اليوم، أمامها استحقاقات مصيرية لعل أهمها تلك التي تتعلق بأمن المواطن الاجتماعي والغذائي والصحي، وعلى هذا الأساس اجتمع الوزراء المعنيون من حكومتي ميقاتي ودياب بملف البطاقة التمويلية مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي اطلع تفصيليًا على المراحل المتعلقة بتنفيذ هذا الموضوع.
خلال الاجتماع، أصرّ ميقاتي على الدخول في تفاصيل المشروع، والسؤال الأكثر إلحاحًا كان حول إذا ما اقترن إطلاق البطاقة مع توفر التمويل اللازم لها وآلية هذا التمويل ومواعيد الدفع.
وتقرّر في الاجتماع أن يتابع الوزراء الجدد آليات التنفيذ بشكل متكامل ومراجعة توصياته وشروطه.
ووزارة الشؤون الاجتماعية كانت أعدت لاجتماعات مع الدول المانحة لرسم مسار تقديم المساعدات المالية وتحويل الأموال الطازجة إلى لبنان يوم الاثنين الفائت، لكن ولادة المفاجئة يوم الجمعة وظروف التسلّم والتسليم في هذا اليوم بعد الجلسة الوزارية الأولى للحكومة الجديدة، أدّت إلى إلغاء الموعد. وتبعًا لذلك سُتحال آلية التمويل إلى وزير الشؤون الاجتماعية الجديد، الذي سيتولى الاتصال بالجهات المانحة مجددًا بعد إيعاز من ميقاتي.
وفي حين أن التمويل مفقود، خرج إبلاغ البنك صندوق النقد الدولي وزارة المالية، بأن لبنان سيستلم في 16 أيلول 2021، حوالي مليار و135 مليون دولار أميركي بدل حقوق السّحب الخاصة (SDR)، وذلك عن عام 2021، وقيمته 860 مليون دولار، وعن عام 2009 وقيمته 275 مليون دولار، على أن يودع في حساب مصرف لبنان. ليس معلومًا كيف ستستخدم الحكومة الجديدة هذه الأموال هل تصرفها على البطاقة أم في تأمين اعتمادات المحروقات وسلفات قطاع الكهرباء أم لمشاريع إصلاحية مستدامة، الصورة غير واضحة حتى الآن.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة المالية قد طلبت من صندوق النقد الدولي، تحويل حقوق السّحب الخاصة المتاحة للبنان وخاصة العائدة إلى عام 2009.
الفوضى والارتباك، تقنياً وماليًا، المحيطان بمشروع البطاقة لا تُعد. أبرزها لوجستيًا هو المشكلة الطارئة في طريقة الدفع بسبب الشح في البطاقات الذكية غير المتوفرة، فيما يطرح البعض، بحسب مصادر مطلعة، أن يتم المباشرة بالدفع نقداً عبر المصارف وعبر شركات تحويل الأموال إلى أن يتم تأمين عدد البطاقات الذكية المطلوب.
وفوق كل ذلك ينكشف أمن اللبنانيين حيثُ تُستباح بيانات اللبنانيين على \منصة IMPACT المستضافة على “خادم أجنبي مشبوه” بحسب تحذيرات سابقة للمديرية العامة للأمن العام.
منصة IMPACT التي جرى تطويرها من قبل التفتيش المركزي، والتي “تُعتبر من أبرز مبادرات التحول الرقمي في الإدارة اللبنانية”، بحسب ما تمّ تقديمها، خلال إطلاق منصة لموقعَي covid.pcm.gov.lb (الخاص بأذونات التنقّل وقت الإغلاق) وcovax.moph.gov.lb (تسجيل طلبات اللقاحات) تبيّن أن هذين الموقعين استُضيفا على خادم في ألمانيا، وبالتالي فإن البيانات كافة التي تتم تعبئتها عبر هذه الصفحات، يتم تخزينها على خوادم افتراضية في ألمانيا من غير المعلوم من يملك حق الولوج إليها والتحكم بها وسحب البيانات منها.
إيهام الناس أن الآلية التنفيذية للبطاقة أُنجزت تكشّف في اللحظات الأخيرة قبل رحيل حكومة دياب. فسارعت رئاسة مجلس الوزراء أصدرت قراراً في 6 أيلول، تطلب فيه من وزارة الاتصالات استضافة المنصة الخاصة بتطبيق البرنامج الإلكتروني لإدارة وتقديم طلبات الاستفادة من البطاقة التمويلية على البنية السحابية الخاصة بالوزارة. والعودة إلى نقطة الصفر التقنية ستوقف المشروع برمّته، إلى حين حصول الحكومة على الثقة وإعادة تشكيل لجنة وزارية تعمل على إعادة درس الآلية التنفيذية للبطاقة التمويلية من جديد.
ما لم تُحل هذه المشكلات، فمهمة الحكومة الجديدة ستكون شاقة رغم صدور الآليات التطبيقية للبطاقة التمويلية في 6 آب الماضي، بعدما أقرها البرلمان بقانون في 30 حزيران 2021 بل أن الأمور ستزداد تعقيداً، بحسب مصادر نيابية. وتأسف المصادر أنه يتم تقديم البطاقة على أنها الملجأ الأخير لتأمين حياة نصف الأسر اللبنانية نحو 500 ألف أسرة، بعدما ساد شبح الفقر المدقع حول 75% من اللبنانيين بحسب آخر تقارير البنك الدولي. إلى جانب التضخم المفرط الذي أدى إلى تآكل مداخيل اللبنانيين بعد اختفاء مدخراتهم. لن تُعوّض البطاقة خسارات اللبنانيين بل ستقدّم لهم دعم مباشر للصمود الجزئي. وهي بحسب المصادر النيابية يُراد منها بيع الوهم للاستمرار، وشراء المزيد من الوقت، بانتظار حلول زمانها وأوانها مجهولين، وعلى الأرجح ستُستخدم “رشوة انتخابية”.
في الدائرة الملعونة للخداع واللامسؤولية والتلاعب على المواطنين يُسجّل ارتفاع معدلات الفقر بقفزات كمية ونوعية مع كل يوم تأخير ببدء الاصلاحات الاقتصادية والسياسية. ومن المتوقع أن يرزح ما بين 90 و100 في المئة من إجمالي المقيمين تحت خط الفقر في نهاية العام الحالي حينها لن ينفع لمعالجتها لا بطاقة ولا غيرها.
رانيا برو